لا تنخدع بالمظاهر فالناس صناديق مغلقة…د حنان عبدالمنعم

في زحمة العلاقات وتداخل الأرواح، يخطئ الكثيرون حين يظنون أن المعرفة الحقيقية بالناس تُكتسب من المراقبة أو التتبع، في حين أن القرب الصادق لا يولد إلا من التفاعل الإنساني العفوي والمشاعر النقية. الناس يُعرفون بالقرب لا بالمراقبة، وبالصدق لا بالتمثيل، فالقلب لا يُفتح إلا لمن يشعر بالأمان، والروح لا تُظهر جمالها إلا في ظل الاحتواء والقبول.
كم من علاقة بُنيت على التودد الزائف فانهارت، وكم من روابط بدأت بابتسامة صادقة فامتدت عمقاً ودواماً! العلاقات لا تُبنى بالكلمات المصطنعة، بل بالعفوية، بالرغبة الحقيقية في الاقتراب دون مصلحة، بالمودة التي لا تنتظر مقابلاً.
والمحبة – تلك الجوهرة النادرة – لا تدوم بالتجاهل، بل تنمو بالاهتمام، وتترسخ بالتقدير، وتُروى بالكلمات الطيبة والمواقف الصغيرة التي تلامس القلب. كم من محبة ذبلت لأنها لم تجد من يسقيها عناية، وكم من قلب انطفأ لأن إشارات الود لم تُلتقط في وقتها!
لكن الأهم من كل هذا، أن نُدرك أن الناس صناديق مغلقة، لا تُفتح بمفتاح واحد، ولا تُقرأ بسطحية النظرة الأولى. لكل إنسان عمق لا نراه، وظلال لا نُدركها، وتجارب ربما لم يُفصح عنها قط. لا تنخدعوا بوجه بشوش قد يخفي ألماً، ولا تحكموا على قسوة ظاهرية قد تُخفي قلباً ناعماً مكسوراً.
الذي يبدو لك نصف حقيقة، وربما أقل. فكم من خير لم يُكتشف بعد، وكم من شر مختبئ لم يُفصح عن نفسه. لا تُسرع بالحكم على الآخرين، ولا تبنِ تصوراتك على ما يُقال أو يُشاع، فكل إنسان عالم قائم بذاته، لا يُعرف إلا بالرفق، ولا يُفهم إلا بالصبر.
لذا، اقترب ممن تحب بنية صافية، وامنح فرصة ثانية لمن أخطأ، ولا تتوقف عن السؤال: “ماذا لو أن خلف هذا الظاهر قصة لم تُروَ بعد؟
وفي الختام…
تذكّر دائمًا أن أعظم الكنوز مخفية في أعماق الأرض، وكذلك أجمل النفوس تسكن أعماق البشر. لا تُسرع في الحكم، ولا تكتفِ بما يبدو لك على السطح. اقترب بلطف، وأنصت بصدق، وامنح الآخرين فرصة ليُظهروا أجمل ما فيهم.
في عالم مليء بالضجيج والتمثيل، كن أنت النور الصادق الذي يضيء ظلام القلوب… فرب كلمة صادقة تُنبت زهرة في أرض جافة، ورب اهتمام صغير يُحيي قلبًا كان على وشك الانطفاء.
كن أنت الفرق.