عثمان علام يكتب: في حضرة الذهب..رحلة إلى منجم السكري

180
المستقبل اليوم

كانت الساعة تشير إلى الثالثة عصر يوم الاثنين الماضي، حين أقلعت طائرة خدمات البترول الجوية pas من مطار القاهرة، حاملة على متنها وفدًا صحفيًا يضم ممثلين عن مختلف الصحف والمواقع الإخبارية البترولية والمحطات الإذاعية. ترأس الوفد الأستاذ محمد داوود، مسؤول الإعلام بوزارة البترول والثروة المعدنية. حلّقنا جنوبًا، حتى هبطنا في مطار مرسى علم، تلك البقعة التي تشبه الوعد الدائم بالجمال.

من المطار توجهنا إلى أحد فنادق المدينة، فوجدناه عامرًا بالسياح من كل الجنسيات، في مشهد يعكس بوضوح حال السياحة المصرية اليوم؛ انتعاش ملحوظ، وأماكن تنبض بالحياة. جو مصر – كما عهدناه – يبعث على البهجة، دافئ شتاءً، معتدل صيفًا، وكأن الربيع استقر هنا ورفض الرحيل.

في سماء مرسى علم، تألقت النجوم بصفاء نادر، وسهرنا مع صحبة طيبة من الزملاء الصحفيين وإعلام وزارة البترول. انصب الحديث على الذكريات، وكلٌّ منا بدا وكأنه كان متشوقًا لهذه اللحظة، لرؤية زملاء لا تجمعنا بهم إلا المناسبات والصدف. امتد السمر حتى الساعات الأولى من صباح الثلاثاء، قبل أن يُرغمنا إرهاق السفر على الاستسلام لنومٍ عميق، استعدادًا للرحلة الأهم: زيارة منجم السكري.

منجم السكري… ذلك الاسم الذي خرجت منه أول سبيكة ذهب في العصر الحديث عام 2010، في عهد المهندس سامح فهمي، حين كان وزيرًا للبترول والثروة المعدنية. كنت شاهدًا على تلك اللحظة الفارقة، وسط كوكبة من عظماء القطاع: المهندس شريف إسماعيل، والمهندس هاني ضاحي، ومحمود نظيم، وشامل حمدي، ومعهم صحفيو البترول الذين وثّقوا الحدث للتاريخ.

مرت السنوات، وتكررت الزيارات. زرته في عهود وزراء تعاقبوا على المنصب، وزرته مرتين في عهد الشريك السابق (الراجحي)، حين كانت «سنتامين» شريكًا لهيئة الثروة المعدنية. وللإنصاف، فإن هذه الشركة هي من أسست منجم السكري وأعطته معناه الحقيقي، قبل أن تتنازل لاحقًا عن منطقة الامتياز لشركة «أنجلو جولد» العالمية.

في تمام الثانية ظهر يوم الثلاثاء، انطلقنا إلى المنجم. المسافة بين الفندق والمنجم تقارب 60 كيلومترًا، قطعناها في أقل من ساعة. هناك، كان في استقبالنا المهندس كريم بدوي، وزير البترول والثروة المعدنية، والدكتور ياسر رمضان رئيس الهيئة، والدكتور محمد الباجوري،  والسيدة هدى منصور. وقفنا على كورنيش المنجم، نتبادل الحديث مع الوزير؛ نسأل فيجيب، ويتحدث فننصت. زرنا مواقع محدودة، لكن التفاصيل هناك أكثر من أن تُحصى. بين مواقع التكسير والنقل والصهر، والمنجم القديم، وورش التصنيع، يتوه العقل، وتتشابك الأسئلة. كل حركة محسوبة، وكل خطوة لا تُخطىء إلا وبرفقة مسؤول السلامة، في منظومة لا تعرف العشوائية.

انتهت الزيارة بتناول الغداء مع الوزير في تمام السادسة مساءً، ثم عدنا إلى مقر الإقامة، حيث الماء والخضرة والوجوه الباسمة لهؤلاء الأجانب الذين قدموا إلى بلادنا فرحين، مستمتعين بالهدوء والطقس الرائع.

وللحق، لم تكن الزيارة هذه المرة بعمق عمق منجم السكري نفسه، وهو أمر مفهوم في ظل قرب انتهاء العام، وحرص الشريك الأجنبي على إحكام الغلق وعدم تسريب أي خطط أو معلومات. وهو حق أصيل لهم.

ربما لم أنشغل كثيرًا بالتفاصيل هذه المرة؛ فأنا أعرفها وأحفظها عن ظهر قلب. اكتفيت بالنظر، بالمشاهدة، بلقاء الوزير، وبالحديث معه ومع الوفد المرافق.

لكن أكثر ما أسعدني في هذه الزيارة، هو تواجدنا بصحبة الأستاذ محمد داوود. رجل أعاد رسم إطار مهني وإنساني راقٍ للعلاقة بين الوزارة والصحافة. أعادنا إلى عهود سابقة، كانت فيها تلك العلاقة من أمتع وأصدق ما يكون. علاقة صاغ ملامحها فنان حقيقي، الأستاذ حمدي عبدالعزيز، الذي امتدت تجربته قرابة أربعين عامًا.

محمد داوود لم يُقلد أحدًا، بل أعاد الروح بطبيعته هو، وبشخصيته هو، وبسماته الخاصة. شعرنا جميعًا أننا في بوتقة واحدة، أبناء قطاع واحد، نتنفس نفس الهواء، ونتشارك نفس المصلحة. امتزج كل شيء، وكأن فترة سابقة كانت مجرد سحابة طال ليلها، لكنها انقشعت أخيرًا، ومضت إلى غير رجعة.


وقد حضر من الزملاء الصحفيين:
أسامة شحاتة، محمود السيوفي، وليد البهنساوي، سيد الأبنودي، شريف الملاح، صلاح نصير، محمد فتحي، يوسف جابر، إيناس العدوي، حسام التمساح، سمر العربي، رأفت إبراهيم، الدكتور طارق العوضي، إسلام المصري، محمود شعبان، محمد عادل، ليلى العبد، ومارينا رؤوف.

ومن إعلام الوزارة: عمرو عبد الشكور، رضا عبد العزيز، محمد عبد الشكور، عمرو عز الدين، وأحمد العليمي.

هناك، في قلب المنجم، التقينا بالمهندس محمد محمود، رئيس شركة السكري، كما التقينا بمهندسين ومهندسات من الشباب، في مقتبل العمر، في مشهد يؤكد أن المرأة المصرية حاضرة بقوة في كل مواقع العمل، شريكة أصيلة في البناء والإنتاج. والتقينا كذلك بعمالٍ لا يعرفون التوقف، يواصلون الليل بالنهار، في صمتٍ وإخلاص، ليكون لاقتصادنا وزن، ولوطننا مكانة، وللتعب معنى يتجسد ذهبًا في صخور الصحراء.

وفي النهاية تحية واجبة لشركتنا العظيمة خدمات البترول الجويةpas التي تنقلنا كالبرق لكل مكان، وتحية لكافة افرادها الذين استقبلونا في المطار مرحبين ومهللين لنا وبنا ، قدموا لنا كل ما نحتاجه، وباتت رحلاتهم اليوم اسهل وامتع من ذي قبل .

أما عن المنجم وآلياته وطريقة عمله واستثماراته ، والسيدة هدى منصور، فلنا حديث أخر .




تم نسخ الرابط